top of page
Search

نصير شمّه: موسيقاي من آلام الناس

يصف تجربته الممتدة منذ بواكير أعماله الموسيقية الأولى وحتى مقارباته لربيع الثورات العربية بأنها "حالة عشق وتواصل مع الناس الذين عايش آمالهم وآلامهم"، والعشق أيضا حالة تختزل أحوال ووجود المؤلف والموسيقي العراقي نصير شمة، أخذها عن متصوفة شغف بنقائهم.

اقترب من شعر كبارهم "ابن الفارض" و"الحلاج" عازفا على عود هو "صلة وصله"، على أنه ما زال يحلم ويعمل لوضع موسيقى تليق بنثر "النفري" وتكون متماسكة بتماسك نصه صاحب "المواقف والمخاطبات"، وفي الراهن يتمترس أيضا عند حدود آلام أمته التي وضع موسيقاه لمحاكاة وجعها.

مبكرا وضع موسيقى العمل المسرحي الأهم لمأساة الشعب الفلسطيني في "البلاد طلبت أهلها" ودفع ثمنا غاليا، حين اختطف من العاصمة الأردنية (عمّان) وحكم عليه بالإعدام في العراق، ومنذ ذاك وما قبله لم يفارق وجع أمته وآلامها، وكانت آخر أعماله محاكاة لوجع سوريا ومجزرة الحولة، وقبلها معاينا ثورات تونس ومصر واليمن.

الجزيرة نت التقت الفنان العراقي في الدوحة، حيث شارك بفعاليات تظاهرة "وطن يتفتح في الحرية" وكان هذا الحوار:

تعلمت الموسيقى لكنك ظللت شغوفا بالشعر، ماذا أخذت من إيقاع الخليل بن أحمد الفراهيدي، لعود زرياب؟

- شغفت بالشعر قديما وما أزال، وأعتبره أفضل منجم للأفكار التي قدمتها على مدى السنين عزفا وموسيقى، وكلما ازداد تعمقي في إيقاعاته وجمالياته، سواء كان عموديا أو تفعيلة أو نثرا.. اشتد تعلقي به، وأجمل المعزوفات التي قدمتها وهي لا حصر لها، هي من الشعر بشكل مباشر أو غير مباشر، هو مدخلي وملهمي للموسيقى، وحتى عناوين الدواوين تفتح لي بابا للموسيقى، كما "أثر الفراشة" و"لماذا تركت الحصان وحيدا" للراحل محمود درويش.

في الحديث عن المتصوفة، أنت قاربتهم كثيرا "الحلاج" و"السهروردي"، ما الذي أخذك إلى وجوديتهم؟ - اكتشفت وأنا في العام 82 وأنا طالب في الجامعة، أن كل ما كتبه المتصوفة ورسموا فيه تأملاتهم عن الوجود، والآفاق العالية التي ارتادوها وأمضوا فيه سنين طويلة، كنت أصل إليها خلال سبع دقائق في العزف على العود.

وأنا أقرؤهم اكتشفت أن بيني وبينهم عالما مشتركا، وحتى تكون جسرا نقيا بين الأرض والسماء يجب أن تحافظ على نقائك ونظافتك الخارجية والداخلية، وهذا ما وجدته لدي، ووظفت الحالات القصوى التي يصلها المتصوف. وجدتها عندي في مفاتيح العزف، أدخل هذه العوالم بسرعة، وأرى جمال هذا العالم الصوفي ونقاءه وتخلصه أيضا من عبء المتشدين الذين حملوا الدين ما لم يحتمل. أنا عودي صلة وصلي، وهو الشرفة التي أطل من خلالها على العالم وهو الحقيقة، والمترجم الدقيق لعقلي وروحي وتطلعاتي.

ها أنت هنا اليوم تناصر ثورة سوريا، قبلها بزمان طويل كانت أولى اشتباكاتك مع القضايا القومية موسيقيا في المسرحية الفلسطينية "البلاد طلبت أهلها". أية ارهاصات قادتك إلى هذا الالتزام القومي؟

- قادتني تربيتي الأولى في العراق، وأذكرها الآن عسى أن يؤخذ بها. فعندما كنا أطفالا في الابتدائية كنا نجمع مصروفنا والمواد الغذائية ونتبرع بها كل خميس لتصبح أطنانا من المساعدات لأطفال فلسطين، هذه الحالة علمتنا الإحساس بالآخر وأنك موجود، أن لديك دورا في الحياة، ومواقفك في الحياة هي ما يمنحك قيمة الوجود.

وعندما استدعيت لعمل شيء عن فلسطين تركت ورائي كل شيء وخرجت في وقت حرج من العراق في وقت كان فيه الخروج صعبا، ومكثت لمدة عام في عمّان انتهت للأسف بكارثة شخصية لي، ذهبت إلى السجن في العراق وحكم