ما إن تطأ قدماك القصر الشهابي العريق حتى تشتمّ رائحة سوريا عابقةً في المكان. فالمعرض الذي يُقام على هامش أمسيات بيت الدين الفنية بعنوان «تدمر، المدينة الشهيدة»، يُقدّم إلى زوّار المهرجان الشوفيّ السنوي، صوراً توثّق كارثية الأفعال التي اقتُرفت في مدينة تدمر الأثرية، ومنحوتات مأخوذة من متحف الجامعة الأميركية في بيروت. كأنّ المهرجان اللبناني الذي ولد في ذروة الحرب الأهلية (عام 1985)، أراد أن يبعث إلى الجارة سوريا رسالة أمل بأنّ الجمال يمكن أن يجد متسعاً له بين بشاعة الحرب ووحشية الموت.
وقد أخذ المعرض بعداً آخر في أمسية «يا مال الشام» المهداة إلى شعوب الربيع العربي. أولئك الذين دفعوا أرواحهم ثمن حريّاتهم المفقودة. وتجلّت المحاباة تجاه الجرح السوري بصوت لينا شماميان (فنانة سورية من أصل أرمني)، التي أبدعت في أداء أغنيات تراثية من بلاد الشام، مثل «لمّا بدا يتثنّى» و«شآم»، و«أورور/ شهرزاد» و«بالي معاك»، في حين غنّت أغنية «حلالي» بالأرمنية ومزجت بينها وبين أغنية عربية شهيرة «عالعين موليتين»، لتبدو الفنانة المثقلة بتاريخ الأرمن المحزن والحاضر العربي المفجع متسلحة بالفن في وجه حياة بشرية مفعمة بالعنف والدم. وإلى جانب شماميان، أحيا العوّادان شربل روحانا (لبنان) ونصير شمّة (العراق) أمسية «يا مال الشام» (أنتجها مهرجان العالم العربي في مونريال)، بمشاركة فرقة «أوكتو إيكو»، والأوركسترا الشرقيّة اللبنانيّة بقيادة اللبنانيّة الكنديّة كاتيا مقدسي وارن. افتتح الحفلة عازف العود اللبناني شربل روحانا بكلمة عرض فيها معاناة اللاجئ السوري في لبنان، قبل أن يعرّج على أزمة الفلسطينيين واللبنانيين الغارقين في مشاكل لا تعرف نهاية، آمِلاً في أن تكون الموسيقى وسيلةً لتلطيف القلوب في عالم يتفاقم فيه العنف يوماً بعد آخر. وأدّى معزوفات وأغنيات وطنية وإنسانية واجتماعية ساخرة (أدّاها على العود)، منها أغنية «بالعربي» التي انتقد فيها تهميش اللبناني للغته العربية واستخدام عبارات يومية بالإنكليزية والفرنسية حلّت محلّ اللغة الأم. فيدعوه إلى التعبير عن حزنه بالعربي وعن فرحه بالعربي وأن يفتخر بلغته. «شو بتشكي كلمة مرحبا أو صباح الخير، في أجمل منّا سعيدة يعني مسا الخير... عبّر عن حزنك بالعربي، عبّر عن فرحك بالعربي، صرّخ عن غضبك بالعربي، خبّر عن أهلك عن شعبك، إحكي عن ألمك عن أملك... قول وعبّر بالعربي». وفي القسم الأخير، قدّم العراقي نصير شمّة فقرته، وهو أستاذ في دار الأوبرا المصرية، فقدّم معزوفات عدة منها «بياض» و«على حافة الألم» و«من الذاكرة» و«لو كان لي جناح»، «الكرّادة»، ومقطع من «ألف ليلة وليلة» لكوكب الشرق أم كلثوم، ليجتمع الثلاثة أخيراً في أداء أغنيات معروفة من الريبرتوار العربي مثل «عالروزانة» و«يا رايحين حلب» و«فوق إلنا خل».
المصدر: مجلة لها