صينُ القلب .. موسيقى الطريق وكرم الضيافة
- نصير شمّه
- 17 minutes ago
- 2 min read

ثمانية أيامٍ فقط … لكنها كانت كافية لتُعيد ترتيب الصورة، وتُوسّع الأفق، وتبعث في القلب تساؤلاتٍ عميقة عن الإرادة، والعلم، والثقافة، حين تتحرّر من الشعارات لتغدو ممارسةً يومية وحضارية.

الصين بلد لا يصدّر لك حضارته بصخب، بل يتركك تكتشفها، تفاصيلَ صغيرةً وكبيرة، من نُبل التعامل، وكرم الضيافة، وحياء الوجوه، إلى الإخلاص الذي يُرافق العمل أينما ذهبت. لا شوفينية في نظرتهم إلى التاريخ، بل تواضعٌ يليق بالحكماء؛ يعترفون بتأثير الحضارات عليهم، ونحن بدورنا نعترف بتاريخهم العريق، وتأثيرهم المتزايد على العالم، وصناعاتهم التي سبقت حتى حاجات الناس.
زيارتي كانت موسيقيةً بامتياز، ضمن مشروع فني يتناول “طريق الحرير” من بوابة الموسيقى والثقافة. في مدينة كوچا، التي شهدت خلال وجودنا إفتتاح متحفها الجديد ومسرحها الحديث، قدّمنا عرضًا موسيقيًا هو الأول على خشبة هذا الصرح. جمعتنا المنصة مع أوركسترا صينية مذهلة، وآلاتٍ تقليدية كادت تندثر لولا روح الفنان المُلهم فانغ جين لون، عازف البيبا الإستثنائي، ومعلمٍ حقيقي يقود مبادرات موسيقية وثقافية كبرى في الصين.

شاركني هذا العرض عازفة البيبا اليابانية Tomoka Nagasu، وعازف الغيتار الإسباني José Luis Morillas، إلى جانب مجموعة كبيرة من الموسيقيين والفنانين الصينيين، وفريقٍ فني وإداري صيني اتسم بدرجة عالية من الإحتراف والحرص، ما جعل التجربة متكاملة ولائقة.
كانت العين المدربة على التقاط الجمال تُجبرني على التوقف أمام كل تفصيلة، من تنوّع الأزياء، والعمارة، إلى التقاليد والموسيقى، حيث لاحظت تشابهًا مثيرًا بين بعض الأشكال الموسيقية الصينية والعربية والعراقية والكردية، بل وحتى في أزياء النساء الفلكلورية.

الصين، بعد أن أكّدت نفسها كقوة اقتصادية وتجارية عالمية، بدأت تفتح أبواب ثقافتها على الداخل والخارج، وأرى أن ما فعلته مع الطعام الصيني الذي انتشر في كل مدن العالم، ستفعله قريبًا مع موسيقاها وإبداعها.
لم أكن أنوي الكتابة، لكنني وجدت نفسي، من على مقعد الطائرة، ألتقط الهاتف وأبدأ بتسجيل انطباعاتي … شيئًا من الامتنان، وشيئًا من التأمل، وذكرى ستبقى قريبة من القلب، محمولة على نغمة موسيقى، وابتسامة مُضيف، وصورةٍ لبلدٍ يعمل … يعمل بصمت، كي يجعل الحياة أفضل.
نصير شمه
فنان اليونسكو للسلام

Comentarios